وفاء بيضون : موائد رمضانية تتجاوز حسابات الطوائف .. جبيل نموذج!

منذ 2 أسبوع 6 يوم 4 س 26 د 28 ث / الكاتب houssein choker

وفاء بيضون 

لطالما شكل شهر رمضان المبارك عنوان جمع وتآلف، وروابط ود بإلإضافة إلى أنه شهر الله، والله هو رب الجميع.
ولطالما اتصف الشهر الفضيل بالمحبة والخير وكرم النفس والتعالي عن كل ما هو مقصد شخصي .
في وقت تتسابق فيه مواقف الكثيرين حول مقاربة العيش المشترك تأتي مائدة الرحمن الرمضانية بتضافر المؤسسة الخيرية الإسلامية لأبناء جبيل وكسروان، وبالتعاون مع لجنة الحوار الوطني ومركز تموز للدراسات؛ التي شكلت هذه المائدة طاولة حوار حقيقي حول هموم وشجون الوطن والانسان معا. ولأنها حملت شعار "لأجلك نصلي" كان هذا الجمع من كل أطياف الوطن الدينية والسياسية، وعلى اختلاف مشاربها وانتماءاتها، لتشكل مدماكا وحجر رحى يستند إليه الحريصون قولا وفعلا على مصلحة البلد كل البلد .

كثيرة هي موائد هذا الشهر الفضيل، لكن وبتجرد ممزوج بالمحبة وصدق الدعاء لقيامة وطن بكل أبنائه، أقول إن جلها يأتي في إطار الاستعراض البعيد عن معاني شهر الله، الذي انزل فيه الكتاب المبارك والمقدس ليتلاقى مع باقي الكتب السماوية .

مائدة مدينة جبيل، هذه البلدة العريقة والمتجذرة بالتاريخ، احتسى فيها كل من شاركها الدعوة، وعاء الألفة وتقبل الآخر للآخر، فكان الإنجيل والقرآن، بما يجسدان من قيم روحية، رمز حضور ليس بالجسد فقط، بل بالنوايا التي حملها كل حاضر. وكأنها  توأم صور الاسكندر . وعبد الحسين شرف الدين التي حملت بحاراته المسلمة والمسيحية شعار الكفاح من أجل إنسان حر، للتلاقي برؤيته حول ميثاق وحدة، عصي على كل فاتح ومحتل كسرها . صليب جبيل وهلال مدينة صور والعكس في ما بينهما من مزايا مسيح المحبة والتسامح نهل من معين أبي ذر الغفاري في وجدانية الصلاة نحو إله يوّحد .

كانت صلاة الخوف على القدس متقدمة في مواقف الأساقفة والمطارنة وأصحاب السماحة تعلو. وبعد الله، للقدس صلى الجميع بثقل ايمان وزهد دعاء وخالص محبة ليبقى الأقصى وكنيسة المهد بوصلة الانسان من اقصى الشرق  الى ادنى الغرب، ليسود السلام العادل بين الامم دون طمع وضغينة وجرائم وتهجير واحتلال .وما يعزز الصورة التي عاينتها هو كلام نائب جبيل رائد برو لموقع " مجلة وفاء "  :  بقوله انا من الذين يتابعون اللقاءات والأنشطة من قضاء جبيل منذ نشأتي؛ أعتبر هذا اللقاء نقلة نوعية في طبيعة العلاقة ما بين المسيحيين والمسلمين، وبطبيعة الحال في ظل الظروف الموجودة حاليا، يعني طبيعة الموضوع القدس ، طبيعة العلاقة بين الطرفين المسلم والمسيحي في ظل التشرذم الموجود، في الوقت الذي يجتمع فيه شخصيات على طاولة واحدة .
هذا اللقاء الذي جمع الروم والأرثوذكس والسنة والشيعة والموارنة، ان شاء الله يؤسس وقد يكون بارقة أمل انه ما زال في لبنان اشخاص ضمن ساحة صغيرة يفكرون مع بعض، "عم نحكي مع بعض"، المشاكل السياسية لم تنعكس على طبيعة حياتنا الاجتماعية الموجودة. وهذه المساحات الموجودة، مساحات الوحدة، نتمنى أن تصبح " عدوى " تنتشر من قضاء إلى قضاء. 
وعند سؤالنا عن العدوى هذه هل تنتقل إلى مجلس النواب ؟ قال النائب برو  ان شاء الله بالتراكم. في المجلس، السياسة تختلف هنا نحن نحاول ان نعمل فصلًا بسلوكنا اليومي عن السياسة من خلال التجمعات واللقاءات حيث انه من المفترض، أن لا تنعكس الاصطفافات الموجودة في السياسة بيني وبين جاري وبيني وبين من اعيش معه في القضاء الواحد.
هذا ما رأيته وانا من المشاركين، وما لمسته وانا من المستمعين. ما قاله المتكلمون عن أهمية التلاقي بين رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، أكد على أهمية أن تبقى بوصلة الاهتمام نحو  القدس ومسجدها الأقصى وكنيسة المهد. لم اكن كما يصور البعض، غريبة عن مشهد يشبهني تماما مشهد التلاقي ومشهد التكاتف واكثر من ذلك، مشهدية الحرص على بلد قسمتنا فيه هو نصيب العيش معا باندماج وتلاقي، رغم كل هم وكرب وحزن .

لقد اكدت الجهات الداعية ان اجمل اللقاءات هي تلك التي تتجاوز الطوائف والمذاهب والمناطق وتتجاوز الاهواء والانتماءات، لتصب في خانة واحدة، خانة لبنان الذي نرى فيه صفة العيش والتعايش ودون ذلك لا يبقى وطن .

مرة جديدة يثبت الواقع ان وقائع الفرقة المركبة ما هي الا وهم في نفوس مروجيها وداعمي نشرها بين مجتمع بات عصيا على كل أنواع التدجين وبات اقوى من كي وعيه الذي دأب عليه كل من لا يريد ان يرى عقلا متجردا من كل رواسب الموروثات السياسية والثقافية العقيمة. 
ما أحوجنا الى طاولة واحدة، وان كانت متعددة الاوعية، وما احوجنا الى تقليص مساحات التباعد على المستوى الانساني والاجتماعي، لذلك اقول ما أحوجنا لشهر فضيل نصوم به عن الموبقات ونفطر فيه على حب الله .